صدر حديثا عن دار نشر جامعة برنستون (ولاية نيوجيرسي) كتاب «الناتو في أفغانستان: يحاربون معا.. يحاربون منفردين». وتعرف قوات الناتو في أفغانستان رسميا باسم «قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان». وتختصر بـ«إيساف». وقد تأسست حسب قرار من مجلس الأمن عام 2001، بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن. وحسب اجتماع على مستوى وزراء دفاع الحلف في بروكسل (حيث رئاسة الناتو) بعد ذلك، وضعت أسس أول عملية عسكرية من نوعها للحلف خارج أوروبا. صاحب ذلك اختيار حميد كرزاي رئيسا لحكومة مؤقتة تحل مكان حكومة طالبان التي أسقطها الغزو الأميركي مباشرة بعد الهجمات الإرهابية، وكان الهدف من إرسال قوات الناتو مساعدة الحكومة المؤقتة في بسط السيطرة على كابل أولا والمناطق القريبة منها. وفي عام 2003، أصدر مجلس الأمن قرارا آخر لتوسيع مهمة قوات الناتو في أفغانستان. وفي وقت لاحق، أرسلت دول غير أعضاء في الناتو قوات إلى هذا البلد مثل أذربيجان، وسنغافورة، وأستراليا، ونيوزيلندا. في البداية، تطوعت دول لقيادة «إيساف» كل ستة شهور، وكانت بريطانيا هي أول من تولى القيادة، ثم تبعتها تركيا، ثم ألمانيا، ثم هولندا. مؤلفا هذا الكتاب هما ستيف سيدنمان، الذي عمل في البنتاغون خلال تدخل الناتو في حرب يوغوسلافيا، وديفيد أورزوولد الذي عمل في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي خلال حرب كوسوفو. انطلاقا من هاتين التجربتين، جاء هذا الكتاب، الذي ضم عناوين مثل: الناتو خارج أوروبا، والتدخل المشترك مقابل التدخل الفردي، وقرارات رئاسية وقرارات برلمانية، وعندما تقاتل حكومات متعددة، ومزيد من التدخلات (ليبيا)، والنتائج العملية والنتائج النظرية. ويطرح الكاتبان منذ البداية شكوكهما في جدوى العمل العسكري المشترك، مستشهدين بعبارة من نابليون بونابرت، إمبراطور فرنسا في نهاية القرن الثامن عشر، وبداية القرن التاسع عشر: «أفضل أن أحارب ضد قوات مشتركة بدلا من أن أحارب معها». ومع ذلك، هما يريان أن الحروب، أحيانا، تستوجب العمل المشترك، مستشهدين هذه المرة بعبارة لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، يقول فيها مناقضا قول نابليون: «يوجد شيء واحد أسوأ من القتال مع حلفاء، وهو أن تحارب من دونهم». وبعد ذلك يستنتج الكاتبان أن تدخل الناتو (بقيادة الولايات المتحدة) كان لا بد منه. وفي الجانب الآخر، يريان أن الناتو تسبب في: أولا: خسائر مدنية. ثانيا: وضع سوابق ربما ليست إيجابية. ثالثا: خلق أزمات أوروبية داخلية للذين أيدوا التدخل. وأشار إلى ما حدث في ألمانيا عام 2009، عندما كادت الحكومة تسقط بعد أن قتلت القوات الألمانية أكثر من مائة مدني في منطقة كندور في أفغانستان. وأشار الكتاب إلى ما حدث في الدنمارك عام 2010، عندما سقطت الحكومة التي كانت تريد تكثيف الوجود العسكري الدنماركي هناك. وقال الكتاب، وهو يلخص الهدف منه: «الحرب مغامرة صعبة. لكن الحرب المشتركة أصعب». لم يغط الكتاب التطورات الأخيرة، لكنه يشير إلى أن الناتو يريد إبقاء قوة صغيرة بعد نهاية هذا العام لتدريب ومساعدة القوات الأفغانية. لكن، الآن، يقول الناتو إن رفض الرئيس كرزاي توقيع اتفاق أمني مع الولايات المتحدة يمكن أن يجعل الناتو يسحب كل قواته بنهاية العام. وأخيرا، قال راسموسن، رئيس الناتو: «اتفقنا على أن هناك حاجة للتخطيط لكل النتائج المحتملة بما في ذلك احتمال ألا نتمكن من الانتشار في أفغانستان بعد عام 2014». وأضاف «ليست هذه هي النتيجة التي نرى أنها في صالح الشعب الأفغاني. ومع هذا، قد تكون هذه هي النتيجة المؤسفة إذا لم يجر التوصل إلى اتفاق أمني في الوقت المناسب». قال ذلك بعد أن طلب الرئيس باراك أوباما من وزارة الدفاع (البنتاغون) الاستعداد لاحتمال عدم بقاء أي جنود أميركيين في أفغانستان بسبب رفض كرزاي التوقيع على الاتفاق الأمني. وحسب الكتاب، وصل عدد قوات الناتو في أفغانستان إلى أكثر من مائة ألف جندي، منهم ما بين النصف والثلث أميركيون (حسب سياسات الرئيسين جورج بوش الابن وأوباما). ماذا بعد الناتو؟ يقول الكتاب إن مشاكل وحروبا كثيرة ستحدث. لكن، لن تكون حربا دولية مثل التي قادها الناتو. ليس ذلك فحسب، بل ستعود مشاكل أفغانستان إلى دول الجوار وإلى العالم البعيد، خاصة مشكلة المخدرات (كانت قد اختفت تقريبا في عهد طالبان). ليس ذلك جديدا، لأن مسؤولين أميركيين قدموا أخيرا تقييمات قاسية لفشل الجهود الغربية في مكافحة المخدرات. ومن المفارقات أن روسيا الآن تحمل الناتو مسؤولية النمو العملاق لإنتاج المخدرات في أفغانستان (وتهريبها إلى روسيا وغيرها). وتنبأ الكتاب بأن الفوضى ستعم أفغانستان بسرعة إذا لم توقع الأطراف المعنية، خاصة الناتو وحكومة أفغانستان، على معاهد واضحة ومحددة. وفي أجزاء نظرية من الكتاب إجابات عن أسئلة، مثل: ما هو مدى اشتراك دول الناتو في أفغانستان على ضوء ما لحق بها من أذى من أفغانستان؟ وتوضح خريطة الآتي: أولا: بسبب هجمات عام 2001 على الولايات المتحدة، قادت الولايات المتحدة الحرب. ثانيا: رغم أن أستراليا ونيوزيلندا ليستا عضوين في الحلف، اشتركتا في عملياته في أفغانستان. ثالثا: تعرضت تركيا وإسبانيا لعمليات إرهابية، لكن لم يكن اشتراكهما كبيرا. ويركز الكتاب على «رياليزم» (الواقعية) في دراسة اشتراك كل دولة في حرب أفغانستان، وذلك لأن الهدف لم يكن «نشر الديمقراطية» كما كان في حرب العراق، ولم يكن وضع حد لمشاكل داخلية، كما كان في يوغوسلافيا، ولم يكن القضاء على حكم ديكتاتوري، كما كان في ليبيا.. كان الهدف «واقعيا» بسبب الخطر الذي وقع على دول الحلف، مباشر في حالة الولايات المتحدة، وغير مباشر في حالات أخرى. لكن، بسبب تعدد درجات الخطر، وبسبب التيارات المختلفة في ظل الديمقراطية الأوروبية، ظهرت تفسيرات كثيرة لهذه «الواقعية»، أو تؤثر عليها: أولا: القيم الأخلاقية لدول تنفر أساسا من الحرب. ثانيا: مناورات حزبية داخلية لإيقاع حزب لآخر. ثالثا: منافسات حول القيادة في أفغانستان. رابعا: أنانية في ابتعاد قوات دول عن الأماكن الخطرة. خامسا: اختلافات في آراء شعوب الناتو. مثلا، يوضح جدول مدى تأييد تدخل الناتو في عام 2008 (بعد سبع سنوات من الحرب): ستون في المائة من الأميركيين (أكثر الذين تأثروا). خمسون في المائة من الدنماركيين والهولنديين والنرويجيين (خوف دول الشمال من متطرفي الشرق). أربعون في المائة وسط الفرنسيين والبريطانيين (تردد دول الاستعمار العريقة). عشرون في المائة وسط الأتراك (مسلمون). على أي حال، أكد الكتاب حقيقة أن آراء الشعوب تميل نحو معارضة التدخل في دول أجنبية كلما زادت تكاليف هذا التدخل. وظل تدخل الناتو في أفغانستان يسبب كثيرا من الخسائر في الأموال، والأرواح، والسمعة (سمعة حكومات الناتو وسط شعوبها)، سنة بعد سنة.
↧