يعد مبارك ربيع في طليعة الروائيين المغاربة، وهو من أبرز الأسماء في هذا المجال وأكثرهم حضورا وإنتاجا. ولا تقتصر أعماله على الرواية والقصة بل لها أبحاث وكتابات متنوعة باعتباره «عميد» أساتذة علم النفس في الجامعة المغربية. * ماذا تعمل حاليا؟ - أعمل بالأساس على موضوع روائي جديد، أقول بالأساس إذ لا يمكن التفرغ لعمل روائي في بداياته، وبالتالي هناك موضوعات أخرى أشتغل عليها في الوقت نفسه، منها ما هو إبداعي قصصي، وما هو ثقافي عام أو علمي متخصص. الموضوع الذي أشتغل عليه الآن مختلف ومتميز عن تجربتي في آخر ما نشر لي، وأعني رواية «أهل البياض» الذي صدر عن دار الساقي. * وماذا تقرأ حاليا؟ - أمامي كتب كثيرة للقراءة، لكنني منهمك على الخصوص في قراءة رواية «إيبولا» للكاتب السوداني أمير تاج السر، الذي تعرفت عليه لأول مرة بصفة شخصية، في لقاء أدبي مشترك خلال المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء وأهداني نسخة من هذا العمل. * لماذا وقع اختيارك على هذا الكتاب؟ - أنا لا بد أن أقرأ شيئا، وزمني يتوزع بين القراءة والكتابة، وبخصوص هذا العمل قد يعود ذلك لظروف التعرف على الكاتب، وجنسيته لها جاذبية فهو كاتب سوداني ولم أقرأ له من قبل، ونحن عدا الطيب صالح والشاعر محمد الفيتوري، نكاد لا نعرف الكثير عن المبدعين السودانيين. * ما المواضيع التي تثير اهتمامك عند الكتابة؟ - كل ما حولي ولي به علاقة ما على نحو أو آخر، وكل ما ليس حولي ولا علاقة لي به على أي نحو ما، إنها بصدق تشكيل لعالم نحياه أو يحياه غيرنا أو نتمنى ذلك لنا أو لغيرنا، من هنا لا حدود لموضوعات تثير الاهتمام، لا حدود مطلقا من حيث المبدأ. يجب ألا ننسى أن الكاتب هو قبل كل شيء قارئ متذوق، ومن ثم هو يقيس على نفسه على الأقل، بإدراك فني معياري للجمالية. * ما أحب كتاب قرأته ولماذا؟ - قد لا تكون العلاقة بين القارئ والمقروء علاقة حب بأي معنى من المعاني، لكنها قد تكون من قبيل علاقة الإعجاب والتقدير والتأثير، وهذا يختلف حسب المراحل، وقد يمكن القول إن مثل هذه الأحوال تغلب على البدايات الثقافية للمبدع، ولا سيما مراحل اليفاعة الفكرية، حيث يكون طابع الاندهاش والانبهار غالبا فيما يتصل به الشخص في عوالم الأدب والثقافة عامة، وبدافع البحث والاكتشاف، وهذه الأحوال تتغير مع التقدم في التثقف والتأدب والإبداع. هنا يمكن أن أتحدث عن بعض الأنماط الفكرية والإبداعية التي استشعرت أنها تثير إعجابي وأتلقى جاذبيتها بحماستي لإنتاجها، في مجال الإبداع الروائي، تأتي في الطليعة كلاسيكيات الأدب الروسي لدوستوفسكي وتولستوي، وإلى حد ما وعلى مستوى آخر، مكسيم غوركي في بعض أعماله كما في رائعته «الأم» وفي مجال الثقافة والفكر أسوق نموذج سلامة موسى الذي كان واحدا من اكتشافات يفاعتي الفكرية، وبخاصة في «التثقيف الذاتي» و«تربية سلامة موسى». وفي المجال الشعري لا يمكن القفز في مرحلة النشأة والتكون الفكري وتفتح اليفاعة عن رومانسية أبي القاسم الشابي الطبيعية الجميلة، وكذا التلوينات المهجرية الوجودية الطافحة بالغربة والتساؤلات الكونية لدى أعلامها الكبار. * آخر عمل أدبي أصدرته رواية «أهل البياض» ماذا يمكنك أن تقول عنه؟ - «أهل البياض» تجربة خاصة، وحتى يتضح تميز التجربة واختلافها، أقارنها بالعمل الذي صدر قبلها أي «طوق اليمام» الذي يمثل تجربة سردية تتناول عالم البحر، بمختلف كائناته البشرية وغير البشرية وألوان صراعاته وتقلباته الوجدانية، بين قطبي الوجودية الإنسانية، أي أوج القوة وحضيض الضعف. * كيف كانت أجواء وظروف كتابته؟ - يجب أن نستحضر الفترة الفاصلة ما بين الانتهاء من كتابة الرواية ولحظة صدورها، وهي فترة قد تطول بعض الشيء، وفي حدود السنة على أقل تقدير، تضاف إليها فترة الكتابة وهي عصية عن التحديد حسب طبيعة الكاتب وظروفه، لذلك قد يكون من الصعب استحضار أجواء الكتابة، لكن يمكن القول إنها أخذت مني وقتا طويلا وجهدا لا أستطيع تقديرهما، كما إنني لم أتفرغ لكتابتها دفعة واحدة، إذ مثل هذا التفرغ لم يحدث في حياتي مطلقا بالنسبة لأي عمل أدبي أو غير أدبي. * باعتبارك أستاذا جامعيا ما النصيحة التي تقدمها لطلابك؟ - على الرغم من إنتاجي في مجال الإبداعي السردي، فإن تخصصي الأكاديمي فلسفي وسيكولوجي، لذلك طلابي المباشرون هم إنسانيون سيكولوجيون، وليسوا متأدبين أو أدباء على وجه الافتراض. من جهة أخرى طلابي المباشرون في علم النفس غير منعدمي الصلة بالآداب، لأن تخصصهم بطبيعته منفتح على الفنون والآداب كافة، ونصيحتي لطلابي من هؤلاء وأولئك ومن قرائي، أو توجيهي إليهم على الأصح، هو، القراءة ثم القراءة ثم القراءة. * هل تعتقد أن هناك أزمة قراءة في المغرب؟ - يمكن القول مبدئيا وشكليا بأن القراءة زادت، وربما أكثر بكثير مما نقدر، لكن مردودها على الكتاب والعلاقة به تبدو بعكس ذلك، في هذا العصر ارتفع عدد المتعلمين مقارنة بالسابق، كما اتسعت دائرة المقروء سواء منه الورقي أو الرقمي، لكن التعامل مع الكتاب الإبداعي خاصة والورقي منه بوجه أخص تراجع. المغرب هو نموذج للكثير من أمثاله من البلدان التي لا تزال الأمية والتأخر التكنولوجي من سماتها، فالأمر يحتاج إلى التربية على القراءة ورفقة الكتاب، وتنمية روح التطلع والاستطلاع لدى الأجيال الناشئة.
↧