يدور نقاش منذ سنوات بين اليهود حول الصهيونية، فيما إذا كان من الضروري اليوم التمسك بها، أو التخلي عنها. فالبعض منهم يرى أنها لم تعد تصلح لهذا العصر، وأنها انتهت وفقدت صلاحيتها، وأننا نعيش اليوم عصر ما بعد الصهيونية. ويرى جدعون ليفي الصحافي الإسرائيلي المعروف، في مقالة له عنها، أنه قد حان وقت تقاعدها منذ فترة طويلة، ويجب أن تبدل بشيء أكثر حيوية وشبابا وصلاحية لعصرنا هذا. بينما يرى بيتر بينرت مؤلف الكتاب الذي نستعرضه، وهو أستاذ جامعي من اليهود الأميركيين، بأن الصهيونية في الوقت الحاضر تمر بأزمة، ولذلك عنون كتابه «أزمة الصهيونية». وهذه الأزمة في رأيه تتجسد في عقر دار الصهيونية إسرائيل، حيث كان المؤسسون لهذه الدولة قد أعلنوا عند إنشائها، أنها ستكون ديمقراطية، تعامل الناس في فلسطين على قدم المساواة، مع غض النظر عن العرق واللون والدين، ولكن ليس هناك اليوم شيء من ذلك، والسبب الرئيس لهذا هو سياسات إسرائيل ومن يؤيدها من اليهود، بخاصة يهود الولايات المتحدة. ففي قلب المشروع الصهيوني تتدافع فكرتان، فكرة أن تكون الدولة ديمقراطية ليبرالية والأخرى أن تكون دولة يهودية، وهي إلى اليوم لم تنجح في التغلب على هذا الصراع، وإذا فشلت في الاختبار فإنها ستنتهي أن تكون دولة يهودية، وتفشل أن تكون دولة ديمقراطية. ومن أهم مظاهر هذه الأزمة كما يقول، هو ما تقوم به إسرائيل من اضطهاد وتفرقة عنصرية نحو الفلسطينيين، الذي وثقته حتى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، مثل «يش دين» و«بتسلم»، حيث أصبحت الأزمة تتفاقم، بل إن اضطهاد إسرائيل قد طال حتى اليهود الإسرائيليين أنفسهم، ممن يقول كلمة إنصاف في حق الفلسطينيين، وينتقد سياسة حكومته، حيث توجه لهم أصابع الاتهام بالخيانة. وكادت الدولة أن تشرع قانونا في العام الماضي يقيد تحركاتهم ويضيق على اتصالاتهم، وعلى مصادر تمويلهم، ولكن الضغط الدولي هو الذي أفشل ذلك. وما تتشدق به إسرائيل من ادعاء الديمقراطية، أخذ يتأكل يوما بعد يوم، كما يقول المؤلف، وأن هذه الأزمة تتعمق في حكم نتنياهو، وتزداد شدة وحدة بسبب سياسته. ويرى المؤلف أن يهود الولايات المتحدة، يساهمون في هذه الأزمة، وهم يستغلون المذبحة النازية لليهود، كإحدى الوسائل المؤثرة للدفاع عنها، وقد اتهمهم أرنولد وولف مؤسس إحدى المنظمات اليهودية، بأنهم بهذا يشجعون صهيونية ترى الإنسانية كلها عدوا لليهود. كما أن يهود الولايات المتحدة متفقون على أن لا ينتقدوا إسرائيل علنا، وأحد مبرراتهم لذلك هو أنهم لا يعيشون هناك. ويرد مؤلف الكتاب عليهم بأن هذا كلام غير منطقي، لأنهم ينتقدون الفلسطينيين مع أنهم لا يعيشون في الأراضي المحتلة، فهم لا يعرفون ما يجري هناك، ولا كيف تتصرف إسرائيل مع الفلسطينيين، ويصرون على أن لا يروا شيئا من هذا الذي يحدث، إذ من النادر أن يذهب أحدهم إلى هناك. ويرى أيضا أن إعطاء الحقوق للفلسطينيين داخل إسرائيل ليس كافيا، بل يجب أيضا لفك الأزمة، إرضاء سكان الأراضي المحتلة وتحقيق طموحهم الوطني، بأن تكون لهم دولتهم الخاصة، على الرغم من أن حل الدولتين يعطي 78% لإسرائيل من فلسطين التاريخية و22% للفلسطينيين. ولو كان مؤسسو إسرائيل، الذين قبلوا بـ55% في حينها، أحياء اليوم، لرقصوا فرحا ولغمرتهم السعادة والغبطة بهذا الحل. وهو يعجب من المسؤولين في إسرائيل الذين يحتجون على عزلتهم، مع أن الدولة ديمقراطية كما يقولون، ولكنهم هم أنفسهم يقومون بتدمير هذه الديمقراطية. ونحن (اليهود) نقول لأنفسنا، إن إسرائيل ديمقراطية، ولكن في الأراضي المحتلة توجد أثنوقراطية، وهو المكان الذي يتمتع فيه اليهود بالمواطنة، بينما لا يتمتع الفلسطينيون بها. ونقول لأنفسنا إن الاحتلال مؤقت، ولكنه استمر لأكثر من أربعين سنة، أكثر من ثلثي عمر الدولة، ونقول لأنفسنا إن إسرائيل ليست راغبة في الاحتفاظ بالأراضي المحتلة، ولكنها ساعدت مئات الآلاف من اليهود على السكن في هذه الأراضي، وأنشأت بنية تحتية هناك من شوارع ومدارس ونظام تليفون وشبكة كهربائية (بل حتى جامعة)، وهي تعامل المستوطنين على قدم المساواة، مع اليهود في إسرائيل، إلى غير ذلك من حقائق مؤلمة تجاهلناها خلال أربع وأربعين سنة من الاحتلال، وقد خلقت هذه أزمة للصهيونية، تكاد تعصف بالدولة. وهي بالتأكيد ستعصف بها وتنهيها، عندما لا يبقى هناك مجال لإنشاء دولة للفلسطينيين. وإذا ما حصل هذا، فإنه سيكون فشلا لليهود جميعا، أينما كانوا وسيظلون حينها ينشغلون في البحث بين الركام، بقية أعمارهم عن الأسباب الأخلاقية والدينية والسياسية، التي أدت إلى ذلك. ويقول المؤلف إن يهود الولايات المتحدة، يجب أن يواجهوا نتائج الحقيقة المهولة، وهي أن هذه الدولة قد لا يبقى لها وجود في عصرنا، لا وقد لا يكون هذا بعيدا. ويقول إنه بسبب ذلك هناك دعوات من بعض الفلسطينيين واليهود لإنشاء دولة واحدة، بدل دولتين. والمؤلف من الداعين إلى مقاطعة منتجات المستوطنات، وهو ما يدعو له بعض الإسرائيليين داخل إسرائيل، كطريقة للضغط على الحكومة الإسرائيلية، ويقول إن هذه المقاطعة أخذت تؤتي أكلها، فبعض الشركات في الضفة الغربية قد أغلق، وبعضها ترك الأراضي المحتلة، وذهب إلى داخل إسرائيل.
↧