في الانتخابات الأميركية الأخيرة، دعم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بقوة الرئيس باراك أوباما. كلينتون المعروف بقدرته على الإقناع، شرح في خطاب شهير له لماذا يجب أن يعاد انتخاب الرئيس أوباما. ولكن دعم كلينتون لأوباما كان بمقابل. على الرئيس أوباما أن يدعم حظوظ هيلاري كلينتون في السباق الانتخابي لعام 2016. وافق أوباما على هذا الشرط، ولكنه تراجع عنه - بحجة أن لديه تصورات جديدة - بعد أن تحصل على الدعم الذي أراده من الرئيس كلينتون. الرئيس السابق استشاط غضبا ووصف الرئيس أوباما بـ«الهاوي» في العمل السياسي وهدد وتوعد. الغضب الكلينوتني دفع أوباما للتراجع قليلا، وتم الترتيب ليظهر أوباما مع هيلاري كلينتون في حلقة وداعية على البرنامج الشهير «60 دقيقة». هذه القصة يذكرها الصحافي الشهير إدوارد كلاين في كتابه «الهاوي.. باراك أوباما في البيت الأبيض» الذي يشن فيه هجوما شرسا وحادا على الرئيس الأميركي أوباما الذي يصفه بـ«السياسي الغريب المنعزل والبارد والمؤدلج» وعدد آخر من الصفات التي - بحسب كلاين - جعلت من الرئيس أوباما غير كفء لمنصبه، «وسيقود أميركا لأربع سنوات أخرى من الفشل» كما يقول. فكرة كلاين المحورية هي أن أوباما قادر فعلا على تحريك الجماهير، وماهر في الصراعات الانتخابية، واللقاءات التلفزيونية، ولكن عندما يدخل إلى البيت الأبيض يتحول إلى شخص آخر. إنه بحسب المؤلف، لا يستطيع أن يصدر القرارات الكبيرة، ويفتقد لفن الإدارة والحكم الذي يميز الرؤساء العظماء. في موضع آخر من الكتاب يهاجم كلاين أوباما لكونه شخصا مغرورا متعنتا ومتقلبا. مغرور لأنه قدم نفسه لأهم منصب في العالم، وهو لا يملك المؤهلات الكافية التي تمكنه من القيادة. فخبرته ضعيفة، ولم يجرب الحكم فعلا. لديه أيضا اعتزاز لنفسه مبالغ فيه جعله يكتب عن قصة حياته وإنجازاته، وهو لم يبلغ الثلاثين من العمر. ومتعنت لأنه لا يستمع إلا لرأيه وأحاط نفسه بأشخاص لا يفعلون شيئا إلا التأكيد على ما يقوله، ولا يعارضون قراراته حتى تلك التي لا يدرك هو نفسه خطورتها. ومتقلب لأنه تحول بشكل سريع من ذلك الشاب المندفع المفعم بالطاقة الذي اقتحم عالم السياسة وصعد بسرعة مذهلة ليكون أول رئيس أسود للولايات المتحدة، ليتحول بعدها إلى شخص متعال منعزل ومنطو على دائرة ضيقة من المعاونين والأصدقاء، ولا يرغب في التواصل مع أعضاء الكونغرس ولا حتى عقد صفقات وتسويات معهم. إدوارد كلاين في كتابه «الهاوي.. باراك أوباما في البيت الأبيض» يقول كلاين أن أوباما يمثل نوعا غريبا وجديدا من رجال السياسة.. نوعا لا يستمد أي متعة وسعادة من العمل السياسي نفسه، ولكنه فقط مهووس ومتعلق بمنصب رئيس الولايات المتحدة، وسيد البيت الأبيض الأول. هذه نقطة يؤكدها صحافيون آخرون، وإن كان بشكل أقل حدة من وصف كلاين. شخصية أوباما المتوهجة والحيوية غير حقيقية. أوباما، على عكس الرئيس كلينتون مثلا، متعلق بالجانب الدعائي والإعلامي بشخصية الرئيس ولكنه يكره الصراعات الداخلية والمساومات والتنازلات التي تعكس طبيعة العمل السياسي. هذا ما جعله نجما في مواقع التواصل الاجتماعية والمحطات التلفزيونية التي تلمع صورته باستمرار، ولكنه غائب ومنعزل عن الدوائر السياسية، حيث يوجد العمل السياسي المعقد والشاق، الذي يتطلب جلدا وصبرا. يسرد الصحافي الكثير من القصص التي تعكس جمود وسلبية أوباما. من هذه القصص لقاؤه بمايكل بلومبيرغ، عمدة مدينة نيويورك، الذي استدعاه أوباما ليمارسا لعبة الغولف سويا. استقل بلومبيرغ طائرته الخاصة وذهب للرئيس، استمرا يلعبان لمدة أربع ساعات لم يقل خلالها أوباما شيئا هاما لبلومبيرغ الذي كان يتوقع أن دعوته ليس فقط من أجل لعب الغولف. عمدة نيويورك أصيب بصدمة لأن الرئيس رحل بعد أن انتهت اللعبة. يقول عمدة نيويورك «أربع ساعات لم يقل لي شيئا هاما!». ولكن الرئيس أوباما غير مستعد حتى للدخول في الصراعات اللازمة لتنفيذ الخطط التي تسعى لها إدارته، لأنه لا يستسيغ المناكفات والمساومات التي تعكس لب العمل السياسي. ينتقد الصحافي الذي شغل مناصب صحافية هامة منها محرر مجلة «نيويورك تايمز» لسنوات كثيرة، بأن سلوك أوباما السلبي جعل كل حديثه القديم عن أنه لا فرق بين الولايات الحمراء - الجمهورية - والولايات الزرقاء - الديمقراطية، مجرد شعارات إنشائية. الاستقطاب والانقسام السياسي في حكمه غير مسبوق. العداء بين الجمهوريين والديمقراطيين على أعلى مستوياته. على مستوى السياسة الخارجية، وهو جانب لم يتطرق له الصحافي كثيرا، تبدو إدارة أوباما فعلا في أسوأ حالاتها. تعاملها مع الشرق الأوسط كارثي وخصوصا مع الأزمة السورية التي ارتبك فيها أوباما وتردد بشكل مخجل. كل خططه عن الاتجاه نحو آسيا لمحاصرة العملاق الصيني تبدو مجرد نظريات على ورق، ولم يتحقق منها أي شيء.. الرئيس الروسي بوتين يتصرف بعنجهية وكأنه رئيس أقوى دولة في العالم، فيما ينتظر أوباما موافقته، وأكثر ما يفعله هو تقطيب الحاجبين حنقا. الكثير من الخبراء في السياسة الخارجية يصفون أداء الرئيس الأميركي بالكارثي على المستوى الخارجي، ومع ذلك ما زال يحيط نفسه بذات الشخصيات عديمة الخبرة التي تبجله ولا تعارض قراراته وأفكاره. لكن من جهة أخرى، تعرض كتاب «الهاوي» لانتقادات وجيهة، منها أن المصادر التي التقاها الصحافي غير مؤكدة ولا معروفة مما يجعل التوثق من القصص التي ذكرها مسألة صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة. أيضا من الأخطاء التي ارتكبها الصحافي هو الانزلاق نحو أسلوب الصحافة الصفراء عندما تطرق إلى قصص أوباما العائلية وعلاقته بزوجته ميشيل وإسرافها وولعها بالأزياء. كل هذه القصص موجودة بكثرة في صحف الفضائح، ولكنها مجرد ثرثرات، وتضعف من قيمة أي كتاب يتوخى الجدية. الصحافي يبدو أيضا غاضبا بشكل شخصي من أوباما ولا يرى فيه إلا الأخطاء ويتغافل عن النجاحات التي حققتها إدارته على المستوى الداخلي. صحيح أن إدارة الرئيس أوباما أخفقت على المستوى الخارجي، ولكنها حققت مكاسب واضحة على المستوى الداخلي. الأزمة الاقتصادية التي هزت الاقتصاد العالمي وخصوصا الأميركي، استطاعت إدارة أوباما التعامل معها بواقعية وأعادت الثقة والتوازن من جديد للنظام المالي، وتمكنت من عكس سهم البطالة الهابط لتوجهه للأعلى. أعادت إدارة الرئيس أوباما الثقة لصناعة السيارات الأميركية التي كادت على وشك الإفلاس. نظام التأمين الصحي الذي سيمنح ملايين المواطنين الأميركيين فرصة العلاج سيحسب للرئيس أوباما. ما يحسب للرئيس أوباما عدم انجرافه لدعاوى المتعصبين التي أعقبت تفجيرات بوسطن الأخيرة، وتقديمه خطابا متزنا وهادئا خفف من حدة التوتر التي أعقبت التفجيرات. أيضا يصارع الرئيس أوباما لتمرير قانون لمنع بيع الأسلحة إلا بعد المراقبة والفحص، وذلك بعد كارثة المجزرة التي ذهب ضحيتها 20 طفلا في مدينة نيوتن. كل هذه نقاط تحسب للرئيس أوباما، ولكن الكاتب تجاهلها، وأحيانا حولها بشكل غريب لفشل. يمكن القول باختصار أن الرئيس أوباما هو فعلا رئيس غير ناضج و«هاو» فيما يخص السياسة الخارجية، أما فيما يخص الشأن الداخلي الأميركي، فمسألة لن تحسم حتى بعد أن يغادر أوباما منصبه عام 2016.
↧